فصل: وُجُوبُ الْخُشُوعِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين



.كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ:

مَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لِفَقْدِهِ مِنْ بُعْدِ الطَّلَبِ، أَوِ الْمَانِعِ لَهُ عَنِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ مِنْ سَبُعٍ أَوْ حَابِسٍ، أَوْ كَانَ الْمَاءُ الْحَاضِرُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِعَطَشِهِ أَوْ لِعَطَشِ رَفِيقِهِ، أَوْ كَانَ مِلْكًا لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَبِعْهُ إِلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ كَانَ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ مَرَضٌ وَخَافَ مِنَ اسْتِعْمَالِهِ فَسَادَ الْعُضْوِ أَوْ شِدَّةَ الضَّنَى، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَقْصِدُ صَعِيدًا طَيِّبًا عَلَيْهِ تُرَابٌ طَاهِرٌ بِحَيْثُ يَثُورُ مِنْهُ غُبَارٌ، وَيَضْرِبُ عَلَيْهِ كَفَّيْهِ ضَامًّا بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَيَمْسَحُ بِهِمَا جَمِيعَ وَجْهِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَا يُكَلَّفُ إِيصَالَ الْغُبَارِ إِلَى مَا تَحْتَ الشُّعُورِ خَفَّ أَوْ كَثُفَ، ثُمَّ يَنْزِعُ خَاتَمَهُ وَيَضْرِبُ ضَرْبَةً ثَانِيَةً وَيُفَرِّجُ فِيهَا بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَيَمْسَحُ بِكَفِّهِ الْيُسْرَى يَدَهُ الْيُمْنَى وَبِكَفِّهِ الْيُمْنَى يَدَهُ الْيُسْرَى. وَإِذَا صَلَّى بِهِ الْفَرْضَ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِلَ كَيْفَ شَاءَ وَيُعِيدَ التَّيَمُّمَ لِفَرْضٍ ثَانٍ.

.الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مِنَ النَّظَافَةِ التَّنْظِيفُ عَنِ الْفَضَلَاتِ الطَّاهِرَةِ:

وَهِيَ نَوْعَانِ: أَوْسَاخٌ وَأَجْزَاءٌ.

.النَّوْعُ الْأَوَّلُ الْأَوْسَاخُ وَالرُّطُوبَاتُ الْمُتَرَشِّحَةُ:

وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ:
الْأَوَّلُ: مَا يَجْتَمِعُ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ مِنَ الدَّرَنِ وَالْقَمْلِ، فَالتَّنْظِيفُ عَنْهُ مُسْتَحَبٌّ بِالْغَسْلِ وَالتَّرْجِيلِ وَالتَّدْهِينِ إِزَالَةً لِلشَّعَثِ عَنْهُ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَّهِنُ الشَّعْرَ وَيُرَجِّلُهُ غِبًّا وَيَأْمُرُ بِهِ.
الثَّانِي: مَا يَجْتَمِعُ مِنَ الْوَسَخِ فِي مَعَاطِفِ الْأُذُنِ وَالْمَسْحُ يُزِيلُ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ، وَمَا يَجْتَمِعُ فِي قَعْرِ صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَظَّفَ بِرِفْقٍ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْحَمَّامِ.
الثَّالِثُ: مَا يَجْتَمِعُ فِي دَاخِلِ الْأَنْفِ وَيُزِيلُهُ بِالِاسْتِنْشَاقِ وَالِاسْتِنْثَارِ.
الرَّابِعُ: مَا يَجْتَمِعُ عَلَى الْأَسْنَانِ وَطَرَفِ اللِّسَانِ فَيُزِيلُهُ السِّوَاكُ وَالْمَضْمَضَةُ.
الْخَامِسُ: مَا يَجْتَمِعُ فِي اللِّحْيَةِ مِنَ الْوَسَخِ وَالْقَمْلِ إِذَا لَمْ يُتَعَهَّدْ، وَيُسْتَحَبُّ إِزَالَةُ ذَلِكَ بِالْغَسْلِ وَالتَّسْرِيحِ بِالْمُشْطِ، وَتَرْكُ الشَّعَثِ فِي اللِّحْيَةِ إِظْهَارًا لِلزُّهْدِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالنَّفْسِ مَحْذُورٌ، وَتَرْكُهُ شَغْلًا بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ مَحْبُوبٌ. وَهَذِهِ أَحْوَالٌ بَاطِنَةٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالنَّاقِدُ بَصِيرٌ وَالتَّلْبِيسُ غَيْرُ رَائِجٍ بِحَالٍ.
السَّادِسُ: وَسَخُ الْبَرَاجِمِ وَهِيَ مَعَاطِفُ ظُهُورِ الْأَنَامِلِ، كَانَتِ الْعَرَبُ لَا تُكْثِرُ غَسْلَ ذَلِكَ لِتَرْكِهَا غَسْلَ الْيَدِ عَقِيبَ الطَّعَامِ فَيَجْتَمِعُ فِي تِلْكَ الْغُضُونِ وَسَخٌ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَسْلِ الْبَرَاجِمِ.
السَّابِعُ: تَنْظِيفُ الرَّوَاجِبِ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَرَبَ بِتَنْظِيفِهَا وَهِيَ رُؤُوسُ الْأَنَامِلِ وَمَا تَحْتَ الْأَظَافِرِ مِنَ الْوَسَخِ لِأَنَّهَا كَانَتْ لَا يَحْضُرُهَا الْمِقْرَاضُ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَتَجْتَمِعُ فِيهَا أَوْسَاخٌ.
الثَّامِنُ: الدَّرَنُ الَّذِي يَجْتَمِعُ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ بِرَشْحِ الْعَرَقِ وَغُبَارِ الطَّرِيقِ وَذَلِكَ يُزِيلُهُ الْحَمَّامُ.

.آدَابُ الْحَمَّامِ:

لَا بَأْسَ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ، دَخَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَّامَاتِ الشَّامِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «نِعْمَ الْبَيْتُ بَيْتُ الْحَمَّامِ يُطَهِّرُ الْبَدَنَ وَيُذَكِّرُ النَّارَ» رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِئْسَ الْبَيْتُ بَيْتُ الْحَمَّامِ يُبْدِي الْعَوْرَةَ وَيُذْهِبُ الْحَيَاءَ فَهَذَا تَعَرُّضٌ لِآفَتِهِ، وَذَاكَ تَعَرُّضٌ لِفَائِدَتِهِ، وَلَا بِأْسَ بِطَلَبِ فَائِدَتِهِ عِنْدَ الِاحْتِرَازِ مِنْ آفَتِهِ. وَلَكِنْ عَلَى دَاخِلِ الْحَمَّامِ وَظَائِفُ مِنَ السُّنَنِ وَالْوَاجِبَاتِ، فَعَلَيْهِ وَاجِبَانِ فِي عَوْرَتِهِ، وَوَاجِبَانِ فِي عَوْرَةِ غَيْرِهِ. أَمَّا الْوَاجِبَانِ فِي عَوْرَتِهِ فَهُوَ أَنْ يَصُونَهَا عَنْ نَظَرِ الْغَيْرِ وَيُوصُونَهَا عَنْ مَسِّ الْغَيْرِ، فَلَا يَتَعَاطَى أَمْرَهَا وَإِزَالَةَ وَسَخِهَا إِلَّا بِيَدِهِ، وَيَمْنَعُ الدَّلَّاكَ مِنْ مَسِّ الْفَخِذِ وَمَا بَيْنَ السُّرَّةِ إِلَى الْعَانَةِ. وَالْوَاجِبَانِ فِي عَوْرَةِ الْغَيْرِ أَنْ يَغُضَّ بَصَرَ نَفْسِهِ عَنْهَا وَأَنْ يَنْهَى عَنْ كَشْفِهَا، لِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْكَشْفِ وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ ذِكْرُ ذَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَبُولُ.
وَأَمَّا السُّنَنُ فَمِنْهَا النِّيَّةُ، وَهُوَ أَنْ لَا يَدْخُلَ لِعَاجِلِ دُنْيَا وَلَا عَابِثًا لِأَجْلِ هَوًى، بَلْ يَقْصِدُ بِهِ التَّنَظُّفَ الْمَحْبُوبَ تَزَيُّنًا لِلصَّلَاةِ، وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى عِنْدَ الدُّخُولِ، وَلَا يُعَجِّلُ بِدُخُولِ الْبَيْتِ الْحَارِّ حَتَّى يَعْرَقَ فِي الْأَوَّلِ، وَأَنْ لَا يُكْثِرَ صَبَّ الْمَاءِ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، فَإِنَّهُ الْمَأْذُونُ فِيهِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لَوْ عَلِمَهُ الْحَمَّامِيُّ لَكَرِهَهُ، لَاسِيَّمَا الْمَاءُ الْحَارُّ فَلَهُ مُؤْنَةٌ وَفِيهِ تَعَبٌ، وَأَنْ يَتَذَكَّرَ حَرَّ النَّارِ بِحَرِّ الْحَمَّامِ وَيُقَدِّرَ نَفْسَهُ مَحْبُوسًا فِي الْبَيْتِ الْحَارِّ سَاعَةً وَيَقِيسُهُ إِلَى جَهَنَّمَ، فَإِنَّهُ أَشْبَهُ بَيْتٍ بِجَهَنَّمَ، النَّارُ مِنْ تَحْتٍ وَالظَّلَامُ مِنْ فَوْقٍ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَافِحَ الدَّاخِلَ وَيَقُولَ عَافَاكَ اللَّهُ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُدَلِّكَهُ غَيْرُهُ وَيَغْمِزَ ظَهْرَهُ وَأَطْرَافَهُ. ثُمَّ مَهْمَا فَرَغَ مِنَ الْحَمَّامِ شَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ. وَيُكْرَهُ طِبًّا صَبُّ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الرَّأْسِ عِنْدَ الْخُرُوجِ وَكَذَا شُرْبُهُ. وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ دُخُولُهُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ بِمِئْزَرٍ سَابِغٍ.

.النَّوْعُ الثَّانِي فِيمَا يَحْدُثُ فِي الْبَدَنِ مِنَ الْأَجْزَاءِ:

وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ:
الْأَوَّلُ: شَعْرُ الرَّأْسِ وَلَا بَأْسَ بِحْلَقِهِ لِمَنْ أَرَادَ التَّنْظِيفَ، وَلَا بِأْسَ بِتَرْكِهِ لِمَنْ يَدَّهِنُهُ وَيُرَجِّلُهُ.
الثَّانِي: شَعْرُ الشَّارِبِ يُنْدَبُ قَصُّ مَا طَالَ عَنِ الشَّفَةِ مِنْهُ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ السَّبَالَيْنِ.
الثَّالِثُ: شَعْرُ الْإِبِطِ تُسْتَحَبُّ إِزَالَتُهُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَأَقَلَّ.
الرَّابِعُ: شَعْرُ الْعَانَةِ تُسْتَحَبُّ إِزَالَتُهُ بِالْحَلْقِ أَوْ بِالنُّورَةِ فِي الْمُدَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
الْخَامِسُ: الْأَظْفَارُ وَتَقْلِيمُهَا مُسْتَحَبٌّ لِشَنَاعَةِ صُورَتِهَا إِذَا طَالَتْ وَلِمَا يَجْتَمِعُ فِيهَا مِنَ الْوَسَخِ وَلَيْسَ فِي تَرْتِيبِ قَلْمِهَا مَرْوِيٌّ صَحِيحٌ.
السَّادِسُ وَالسَّابِعُ: زِيَادَةُ السُّرَّةِ وَقُلْفَةُ الْحَشَفَةِ، أَمَّا السُّرَّةُ فَتُقْطَعُ فِي أَوَّلِ الْوِلَادَةِ، وَأَمَّا التَّطْهِيرُ بِالْخِتَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنَ الْوِلَادَةِ، وَإِنْ خِيفَ مِنْهُ خَطَرٌ فَالْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ.
الثَّامِنُ: مَا طَالَ مِنَ اللِّحْيَةِ. رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَخْذُ مَا زَادَ عَنِ الْقَبْضَةِ، وَقَالَ آخَرُونَ: تَرْكُهَا عَافِيَةً أَحَبُّ، وَالْأَمْرُ فِي هَذَا قَرِيبٌ إِنْ لَمْ يَنْتَهِ إِلَى الطُّولِ الْمُفْرِطِ فَإِنَّهُ قَدْ يُشَوِّهُ الْخِلْقَةَ وَيُطْلِقُ أَلْسِنَةَ الْمُغْتَابِينَ بِالنَّبْزِ إِلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِالِاحْتِرَازِ عَنْهُ عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ. وَفِي اللِّحْيَةِ عَشْرُ خِصَالٍ مَكْرُوهَةٍ وَبَعْضُهَا أَشَدُّ كَرَاهَةً مِنْ بَعْضٍ: خِضَابُهَا بِالسَّوَادِ، وَتَبْيِيضُهَا بِالْكِبْرِيتِ، وَنَتْفُهَا وَنَتْفُ الشَّيْبِ مِنْهَا، وَالنُّقْصَانُ وَالزِّيَادَةُ فِيهَا، وَتَسْرِيحُهَا تَصَنُّعًا لِأَجْلِ الرِّيَاءِ، وَتَرْكُهَا شَعِثَةً إِظْهَارًا لِلزُّهْدِ، وَالنَّظَرُ إِلَى سَوَادِهَا عُجْبًا لِلشَّبَابِ وَإِلَى بَيَاضِهَا تَكَبُّرًا بِعُلُوِّ السِّنِّ، وَخِضَابُهَا بِالْحُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ تَشَبُّهًا بِالصَّالِحِينَ. فَأَمَّا الْخِضَابُ بِالسَّوَادِ فَقَدْ رُوِيَ فِيهِ نَهْيٌ لِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إِلَى الْغُرُورِ وَالتَّلْبِيسِ، وَأَمَّا تَبْيِيضُهَا بِالْكِبْرِيتِ فَقَدْ يَكُونُ اسْتِعْجَالًا لِإِظْهَارِ عُلُوِّ السِّنِّ تَوَصُّلًا إِلَى التَّوْقِيرِ وَتَرَفُّعًا عَنِ الشَّبَابِ وَإِظْهَارًا لِكَثْرَةِ الْعِلْمِ، ظَنًّا بِأَنَّ كَثْرَةَ الْأَيَّامِ تُعْطِيهِ فَضْلًا وَهَيْهَاتَ، فَلَا يَزِيدُ كِبَرُ السِّنِّ الْجَاهِلَ إِلَّا جَهْلًا، فَالْعِلْمُ ثَمَرَةُ الْعَقْلِ وَهِيَ غَرِيزَةٌ وَلَا يُؤَثِّرُ الشَّيْبُ فِيهَا، وَمَنْ كَانَتْ غَرِيزَتُهُ الْحُمْقَ فَطُولُ الْمُدَّةِ يُؤَكِّدُ حَمَاقَتَهُ، وَقَدْ كَانَ الشُّيُوخُ يُقَدِّمُونَ الشَّبَابَ بِالْعِلْمِ، كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقَدِّمُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهُوَ حَدِيثُ السِّنِّ عَلَى أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَيَسْأَلُهُ دُونَهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أَتَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدَهُ عِلْمًا إِلَّا شَابًّا، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الشَّبَابِ، ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الْأَنْبِيَاءِ: 60] وَقَوْلَهُ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الْكَهْفِ: 13] وَقَوْلَهُ تَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مَرْيَمَ: 12] وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ: أَدْرَكْتُ الشَّيْخَ ابْنَ ثَمَانِينَ سَنَةً يَتْبَعُ الْغُلَامَ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ، وَقِيلَ لِأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ: أَيَحْسُنُ مِنَ الشَّيْخِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنَ الصَّغِيرِ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ الْجَهْلُ يُقَبَّحُ بِهِ فَالتَّعَلُّمُ يُحَسَّنُ بِهِ.

.كِتَابُ أَسْرَارِ الصَّلَاةِ وَمُهِمَّاتِهَا:

الصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ، وَعِصَامُ الْيَقِينِ، وَسَيِّدَةُ الْقُرُبَاتِ، وَغُرَّةُ الطَّاعَاتِ وَقَدِ اسْتُقْصِيَتْ أُصُولُهَا وَفُرُوعُهَا فِي فَنِّ الْفِقْهِ، فَنَقْصُرُ هُنَا عَلَى مَا لَابُدَّ مِنْهُ لِلْمُرِيدِ مِنْ أَعْمَالِهَا الظَّاهِرَةِ وَأَسْرَارِهَا الْبَاطِنَةِ.

.فَضِيلَةُ الْأَذَانِ:

قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَسْمَعُ نِدَاءَ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ» وَذَلِكَ مَحْبُوبٌ مُسْتَحَبٌّ إِلَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِيهِمَا: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَفِي قَوْلِهِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ: أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا.
وَفِي التَّثْوِيبِ أَيْ قَوْلِ مُؤَذِّنِ الْفَجْرِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ: صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ وَعِنْدَ الْفَرَاغِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ».

.فَضِيلَةُ الْمَكْتُوبَةِ:

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النِّسَاءِ: 103] وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ»، وَسُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «الصَّلَاةُ لِمَوَاقِيتِهَا» وَكَانَ أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ: قُومُوا إِلَى نَارِكُمُ الَّتِي أَوْقَدْتُمُوهَا فَأَطْفِئُوهَا.

.فَضِيلَةُ إِتْمَامِ الْأَرْكَانِ:

قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لِوَقْتِهَا وَأَسْبَغَ وُضُوءَهَا وَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا وَخُشُوعَهَا عَرَجَتْ وَهِيَ بَيْضَاءُ مُسْفِرَةٌ تَقُولُ: حَفِظَكَ اللَّهُ كَمَا حَفِظْتَنِي، وَمَنْ صَلَّى لِغَيْرِ وَقْتِهَا وَلَمْ يُسْبِغْ وُضُوءَهَا وَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا وَلَا خُشُوعَهَا عَرَجَتْ وَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ تَقُولُ: ضَيَّعَكَ اللَّهُ كَمَا ضَيَّعْتَنِي، حَتَّى إِذَا كَانَتْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ لُفَّتْ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلِقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُهُ».

.فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ:

قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةُ الْجَمْعِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً».
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَ نَاسًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ أُخَالِفُ إِلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْهَا فَأُحَرِّقُ عَلَيْهِمْ بِيُوتَهُمْ».
وَقَالَ عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: «مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ، وَمَنْ شَهِدَ الصُّبْحَ فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَةً».
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ: مَا أَشْتَهِي مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا ثَلَاثَةً: أَخًا إِنْ تَعَوَّجْتُ قَوَّمَنِي، وَقُوتًا مِنَ الرِّزْقِ عَفْوًا بِغَيْرِ تَبِعَةٍ، وَصَلَاةً فِي جَمَاعَةٍ يُرْفَعُ عَنِّي سَهْوُهَا وَيُكْتَبُ لِي فَضْلُهَا.
وَقَالَ الحسن: لَا تُصَلُّوا خَلْفَ رَجُلٍ لَا يَخْتَلِفُ إِلَى الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يُجِبْ لَمْ يُرِدْ خَيْرًا وَلَمْ يُرَدْ بِهِ.

.فَضِيلَةُ السُّجُودِ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً».
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ».
وَقَالَ تَعَالَى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الْفَتْحِ: 29] يَعْنِي نُورَ الْخُشُوعِ فَإِنَّهُ يُشْرِقُ مِنَ الْبَاطِنِ عَلَى الظَّاهِرِ.

.وُجُوبُ الْخُشُوعِ:

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] ظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، وَالْغَفْلَةُ تُضَادُّ الذِّكْرَ، فَمَنْ غَفَلَ فِي صَلَاتِهِ كَيْفَ يَكُونُ مُقِيمًا لَهَا لِذِكْرِهِ تَعَالَى.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الْأَعْرَافِ: 205] وَقَالَ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 1- 2] جَعَلَ أَوَّلَ مَرَاتِبِ الْفَلَاحِ الْخُشُوعَ فِي الصَّلَاةِ إِعْلَامًا بِأَنَّ مَنْ فَقَدَهُ فَهُوَ بِمَرَاحِلَ عَنِ الْفَوْزِ وَالنَّجَاحِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْفَلَاحِ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الصَّلَاةُ تَمَسْكُنٌ وَتَوَاضُعٌ وَتَضَرُّعٌ وَتَضَعُ يَدَيْكَ تَقُولُ اللَّهُمَّ اللَّهُمَّ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهِيَ خِدَاجٌ».
وَرُوِيَ: «مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا».
وَحُكِيَ عَنْ مسلم بن يسار أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ فَسَقَطَ حَائِطُ الْمَسْجِدِ فَفَزِعَ أَهْلُ السُّوقِ لِهَدَّتِهِ فَمَا الْتَفَتَ، وَلَمَّا هُنِّئَ بِسَلَامَتِهِ عَجِبَ وَقَالَ: مَا شَعَرْتُ بِهَا.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَكْعَتَانِ فِي تَفَكُّرٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَالْقَلْبُ سَاهٍ.

.فَضِيلَةُ الْمَسْجِدِ وَمَوْضِعُ الصَّلَاةِ:

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التَّوْبَةِ: 18] وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ».
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ».
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ».
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَتَحَلَّقُونَ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَلَيْسَ هَمُّهُمْ إِلَّا الدُّنْيَا، وَلَيْسَ لِلَّهِ فِيهِمْ حَاجَةٌ فَلَا تُجَالِسُوهُمْ».

.أَعْمَالُ الصَّلَاةِ الظَّاهِرَةِ:

إِذَا فَرَغَ الْمُصَلِّي مِنَ الْوُضُوءِ وَالطَّهَارَةِ مِنَ الْخَبَثِ فِي الْبَدَنِ وَالْمَكَانِ وَالثِّيَابِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ مِنَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْتَصِبَ قَائِمًا مُتَوَجِّهًا إِلَى الْقِبْلَةِ، وَلْيَقْرُبْ مِنْ جِدَارِ الْحَائِطِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُقْصِّرُ مَسَافَةَ الْبَصَرِ وَيَمْنَعُ تَفَرُّقَ الْفِكَرِ، وَلْيَحْجُرْ عَلَى بَصَرِهِ أَنْ يُجَاوِزَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ، وَلْيُدِمْ هَذَا الْقِيَامَ كَذَلِكَ إِلَى الرُّكُوعِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ، ثُمَّ يَنْوِي أَدَاءَ الصَّلَاةِ بِقَلْبِهِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ مُقْبِلًا بِكَفَّيْهِ إِلَى الْقِبْلَةِ وَيَبْسُطُ الْأَصَابِعَ وَلَا يَقْبِضُهَا وَلَا يَتَكَلَّفُ فِيهَا تَفْرِيجًا وَلَا ضَمًّا بَلْ يَتْرُكُهَا عَلَى مُقْتَضَى طَبْعِهَا، وَيُكَبِّرُ، ثُمَّ يَضَعُ الْيَدَيْنِ عَلَى صَدْرِهِ وَيَضَعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَلَا يَنْفُضُ يَدَيْهِ إِذَا فَرَغَ مِنَ التَّكْبِيرِ، بَلْ يُرْسِلُهُمَا إِرْسَالًا خَفِيفًا رَفِيقًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَضُمَّ الْهَاءَ مِنْ قَوْلِهِ: اللَّهُ ضَمَّةً خَفِيفَةً مِنْ غَيْرِ مُبَالَغَةٍ، وَلَا يُدْخِلَ بَيْنَ الْهَاءِ وَالْأَلِفِ شِبْهَ الْوَاوِ، وَلَا بَيْنَ بَاءِ أَكْبَرُ وَرَائِهِ أَلِفًا كَأَنَّهُ يَقُولُ: أَكْبَارُ وَيَجْزِمُ رَاءَ التَّكْبِيرِ وَلَا يَضُمُّهَا.